Huerto Evolutivo (9): Sandía. Que no San Día البُستان التطوريّ (9): تطوُّر البطيخ Watermelon evolution - <center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation </center> Fénix Traducción فينيق ترجمة Phoenix Translation : Huerto Evolutivo (9): Sandía. Que no San Día البُستان التطوريّ (9): تطوُّر البطيخ Watermelon evolution

2013-12-04

Huerto Evolutivo (9): Sandía. Que no San Día البُستان التطوريّ (9): تطوُّر البطيخ Watermelon evolution

 ربما سمعت غالبيتنا، كما تمتعت هذه الغالبية، بفاكهة البطّيخ الأحمر (وهناك ألوان أخرى). 
 
للبطّيخ الأحمر تسميات عديدة (في الإسبانية سانديَّا Sandía)، حيث نجد بويكيبيديا أسماء له مثل:
 
 patilla، paitilla أو ببساطة "بطيخ الماء" وهو اسم معروف بلغات أخرى. 
 
ويسميه الناطقون بالانكليزية watermelon
 
أما في كاتالونيا فيسموه síndria، síndia أو meló d’Alger، وAlger إشارة لعاصمة الجزائر.
 
 ويسموه ببعض المناطق الحدودية بين الإكوادور والبيرو sandilla.

بحسب القاموس الآكاديمي الملكيّ الإسباني، تعود كلمة Sandía للأصل العربي الاسباني sandíyya والذي بدوره يعود للمُصطلح العربي الفصيح sindiyyah المبنيّ على تعبير " من السند " أي ينتمي لمنطقة السند الواقعة في الباكستان اليوم، وكما ترون فحتى اللغة تتطوّر!


بناء على بيولوجيّة البطيخ الأحمر، فهو عضو في رتبة القرعيّات، وتضمّ هذه الرتبة 118 جنس و825 نوع موصوف. وتضم هذه الرتبة كثير من الأنواع الأخرى الشهيرة مثل البطيخ الأصفر، الخيار، اليقطين، الكوسا بين أنواع غيرها. تتمدَّد معظم تلك الأنواع خلال نموّها على الأرض أو على دعائم تُوضَع لهذا الغرض.


يمكن لهذه النباتات أن تعيش لسنوات عديدة أو تعيش سنوياً (من حالة البذور الإنتاش، النموّ ووصولاً لانتاج البذور الجديدة حيث يمرّ عام كامل أو أقلّ بقليل ثمّ تموت النبتة).  أزهارها ذات جنس وحيد أزهار ذكريّة تقوم بانتاج الأسدية (جمع سداة) فقط وأزهار إناث تقوم بإنتاج البُنى التي تقود إلى البويضات (المدقّة والمبيض). رغم هذا، فيمكن لذات النبتة إنتاج أزهار ذكريّة وأزهار أنثوية. كما أنها تحتاج لنشاط الحشرات (سيما أنواع عديدة من النحل) لكي تتمكّن من تحقيق الإلقاح.

 
إلى اليسار زهرة ذكر بطيخ. إلى اليمين زهرة أنثى بطيخ



يمثّل إنتاج البطّيخ الأحمر ما نسبته 7% من الإنتاج النباتيّ العالميّ، حيث يُنتَج حوالي 90 مليون طنّ سنوياً منه. وبلدان إنتاجه الرئيسيّة، هي الصين، تركيا، إيران، الولايات المتحدة الأميركية ومصر. وتُنتِجَ الصين لوحدها نصف الانتاج العالميّ تقريباً، كما تُخصّص الصين وتركيا أكبر مساحة لهذه الزراعة عالمياً.

يُزرع البطيخ الأحمر، بصورة رئيسيّة، لأجل ثماره والتي يوجد منها تنوُّع بالأشكال، الأحجام، الألوان والطعومات.
 
 ومن المثير أنّ لويد برايت (الصورة أدناه) من ولاية آركانساس الأميركية قد سجّل رقم قياسيّ غينيس بفضل وزن بطيخته الذي بلغ حوالي 121.93 كيلو غرام العام 2005.

كما أنّ البطيخ الأحمر من الفاكهة الصحيّة، حيث يبلغ محتواه من المياه نسبة 90-92% وهو غنيّ بالفيتامينات آ وسي، وكذلك غنيّ بالليكوبين الذي يمنحه اللون الأحمر، عدا كونها مواد مضادة للسرطانات، بالإضافة لجزيئات أخرى لها تأثير صحّي على القلب البشريّ.

 
 مُزارع مع بطيخته العملاقة. لا أعتقد أنها فوتوشوب! توجد جمعية خاصة بزراعة البطيخ وتقديم الجوائز لمحققي أرقام قياسية بأحجامها في الولايات المتحدة الأميركية، لدى الأميركيين هاجس غريب يتعلق بالأحجام!



حين نتحدث علمياً عن البطيخ الأحمر الذي نزرعه، فاسمه الحقيقيّ هو Citrullus lanatus بحسب Matsum. & Nakai 1916
 
ويعود أصل Citrullus للمُصطلح اللاتيني / اليوناني citrus وهذا ما لا أفهمه حيث أنّ citrus هو الاسم العلميّ للبرتقال والليمون. اما lanatus فهو مُصطلح لاتيني معناه صوفيّ lanudo وهذا بفضل كميّة "الوبر" القائم في سيقان وأوراق النبات.


لكن، البطّيخ الأحمر ليس العضو الوحيد في الجماعة.
 
  ففي الواقع يشكِّل جنس الحنظل مجموعة صغيرة ينتمي لها 4 أنواع من النباتات وكلها تعيش بمناخ صحراوي وأصلها أفريقيّ.

  الأنواع، هي على التوالي:

- البطيخ الأحمر، وهو الذي ينتمي له بطيخنا المزروع كما أشرنا سابقاً. وهو نبات سنويّ زاحف تمتدّ سوقه على الأرض.

الحنظل ، وبخلاف بطيخنا الأحمر فهذه النبتة تعيش لعدّة سنوات (نبات معمر). لكنها تُزرَع، كذلك، اعتباراً من شمال افريقيا وصولاً للجنوب الشرقي الآسيوي، وهناك من يعزو لها فوائد طبيّة.

سيترولوس إسيرهوس Citrullus ecirrhosus، عبارة عن بطّيخ برّي متوطِّن في صحراء ناميبيا، ويعيش لعدّة سنوات أي نبات معمر كذلك.

سيترولوس ريهمي Citrullus rehmii، بطّيخ برّي متوطِّن في صحراء ناميبيا ويعيش لسنة واحدة فقط (دورة حياته سنوية).


ويمكن رؤية أشكال مختلفة لبطيخنا الأحمر Citrullus lanatus
 
ويرى بعض العلماء أنّه يتفرّع إلى تنوعين هامين فقط، هما:


1- Citrullus lanatus var. Lanatus وهو بطيخنا الأحمر المزروع بمستوى عالميّ ويمكن رؤيته في الأسواق.


2- Citrullus lanatus var. Citroides ويتركّز زرعه في جنوب أفريقيا وآسيا (رغم حضوره حاليا بقارات أخرى) ويُعتبر سلفاً مُحتملاً لبطيخنا المزروع ويضمّ عدّة جماعات بريّة.

يختلف الأمر لدى علماء آخرين، حيث يرون بأنه يوجد 3 أنواع فرعيّة (وليست تنوُّعات) مختلفة هي:

1- lanatus الذي يُعتبر من أقدم الزراعات لهذه النبتة والمُكافيء للنوع var. Citroides.


2- mucosospermus والذي يمثّل نوع بطيخ اسمه إغوسي والمزروع بأفريقيا فقط.



3- vulgaris والذي يمثل "بطيخ الصحراء الأحمر" وينتمي لنوع بطيخنا الأحمر المزروع.

مع هذا، ما هو تاريخ البطيخ الأحمر؟ كيف أثَّر التطوُر به؟ 
 
فهذا قصّة أخرى.

 
 حقل بطيخ مُعتنى به، نوع بطيخه الأحمر المزروع


الماضي الجينيّ التائه

يُعتبر ماضي البطّيخ الأحمر مُشوّشاً. لكن، سنحاول العمل على جلائه. ولحسن الحظّ، فخلال شهر أوغسطس / آب 2013 المُنصرم، جرى التوصُّل لنتائج بحثية حول هذا النبات، فقد نشرت مجلة الطبيعة المرموقة أوّل مُسوَّده للجينوم الكامل للبطيخ الأحمر، وهو عمل شاق، حقّقته عدّة مراكز بحث في الصين وفي الولايات المتحدة الأميركية والدانمارك.

جينوم البطّيخ الأحمر صغير بالمقارنة مع جينومنا البشريّ، فهو يضمّ 11 زوج كروزومات فقط، بينما، نحن لدينا 22 زوج كروزومات. وحجمه بحدود 425 مليون زوج قاعديّ، بينما، حجم جينومنا نحن بحدود 3000 زوج قاعديّ.  
 
لكن، هذا لا يشكّل تقليل من الأهميّة، فيبلغ حجم جينوم القمح 16000 مليون زوج قاعديّ. بمعنى تتفوّق عشبة كالقمح علينا كبشر .. تخيّلوا والأهم تواضعوا!!
 
من أهم نتائج هذا العمل البحثيّ، تأكيد أنّه بزمن محدّد قصيّ جداً، وعندما لم يكن البطّيخ الأحمر هو ما نعرفه اليوم، حدثت ظاهرة قد ورثها كل المتحدِّرين، هي عمليّة تضاعف ثلاثيّ للجينوم (الجينوم = كامل المادة الوراثيّة / الجينيّة في النوع الحيّ). هذه ليست قصّة جديدة، فلقد تحدثنا بهذه السلسلة (الجزء الثاني: تطوُّر العنب) منذ بضع سنوات عن شيء شبيه. لكن، حسناً، قد مضى زمن طويل على هذا، وتقوم دراسات جديدة بتأكيده، ولهذا لما لا نعيد التذكير به؟ فلعلّ الذكرى تنفع!

عندما نُشِرَ، العام 2007، جينوم شجرة العنب، جرى اكتشاف حدوث تضاعف ثلاثيّ بمناطق كبيرة بجينومها. وكِبَرْ حجم تلك المناطق الجينوميّة كافٍ لإطلاق الفرضيّة، التي تقول، هل يمكن حصول تضاعف جينومي ثلاثي عند السلف الأبعد للدوالي (أشجار تُعطي ثمار العنب)؟ وبوقت لاحق، بحث الباحثون المناطق المتضاعفة ذاتها عند ثلاثة أنواع نباتيّة أخرى، هي على التوالي:
 
 حور كاليفورنيا، نبتة رشاد الصخر المفضّلة عند أخصائيّ البحث الجينيّ الوراثيّ والنوع رشاد أذن الفأر بالتحديد  والأرز الآسيوي
 
ونتائجهم مثيرة للاهتمام جداً، فلدى حور كاليفورنيا ونبتة رشاد الصخر ذات التكرارات، لكن، لا يحدث هذا مع الأرز الآسيوي.

وضع المناطق المتضاعفة ثلاثيّاً (الاشارة لهذا بألوان مختلفة) في كل واحد من الصبغيات / الكروموزومات لشجرة الكرمة a ، لحور كاليفورنيا b  ولنبتة رشاد الصخر  c، وربما غير واضح كفاية التضاعف الثلاثيّ عند الحور ونبتة رشاد الصخر، لكن، يجب الإنتباه لوجود اختلاطات في التسلسلات بتلك الأنواع. ويُعتبر جينوم الكرمة هو الأقرب للسلف


بالتالي، اقترحوا فرضيّة، تقول بأنّه إثر إنفصال سلالات أحاديّات الفلقة وثنائيّات الفلقة (منذ 130 إلى 240 مليون عام)، يحدث تضاعف جينيّ ثلاثيّ عند مجموعة صغيرة من النباتات المنتمية لسلالة ثنائيّات الفلقة، ولدى هذه النباتات ذات المادة الجينية الثلاثيّة التضاعف السَلَفْ المُشْتَرَكْ لكل النباتات، التي نعرفها بيومنا هذا مثل الوردانيّات (التي تشتمل على حور كاليفورنيا، رشاد الصخر والكرمة بين كثير من الأنواع النباتيّة الحيّة الأخرى).

فيما لو يصحّ هذا العمل، وفيما لو يكن فهمنا للتطوُّر صحيح، لوجب إكمال تنبُّؤ قائم: فالبطّيخ الأحمر، بحسب الدراسات النباتيّة، عضو في مجموعة الوردانيّات، ويجب أن يمتلك ذات السلف المُشترك ذو الجينوم ثلاثيّ التضاعف الذي تمتلكه الكرمة، رشاد الصخر وحور   كاليفورنيا، بالتالي، فيما لو ندرس جينوم البطّيخ الأحمر، سنتمكن من رؤية أجزاء كبيرة من مادته الجينية / الوراثيّة ذات تضاعف ثلاثيّ.

ملخّص نشوئيّ تطوريّ لظهور سداسيّ الصبغي الأصليّ. تمثِّل النجوم حوادث التضاعف الجينيّ


حسناً، جرى تحقيق سَلْسَلَةُ جينوم البطّيخ الأحمر العام 2013 وهو يؤكِّد تلك الفرضيّة (وعملياً يؤكّد فهمنا المُقترب من "تطوُّر الأنواع الحيّة"). وفق هذا العمل، فقد حدث التضاعف الجينوميّ الثلاثي الكامل لسلف الوردانيّات في زمن ما قبل 76 – 130 مليون عام خلال عصر الكريتاسيّ (عندما سادت الديناصورات وزواحف أخرى في كوكبنا). وهذا الأمر ليس ظاهرة نادرة، ففي الطبيعة، التضاعفات الجينية هي نوع من الطفرات شديد الخصوصيّة، ويحدث هذا في عالم النباتات بصورة أكبر مما عُرِفَ سابقاً.

بصيغة مضت عبرها النباتات القديمة من امتلاك زوج مجموعات صبغية لامتلاك 3 أزواج من المجموعات الصبغية، ما يعني 6 مجموعات من الصبغيات. لأجل هذا يمكن القول بأنها نباتات سُداسيّة المجموعات الصبغية
hexaploides، وتعني hexa  ستّة وتعني ploide مجموعة صبغية. 
 
لكن، لدى نوع البطّيخ الأحمر  المزروع  11 زوج من الصبغيات فقط (أي أنه ليس من مضاعفات العدد 3 بالمُطلق). 
 
بالتالي، لماذا يؤكِّد العلماء حصول التضاعف الثلاثيّ الغريب؟ 
 
بمجرّد تحقيق سَلْسَلَة جينوم البطّيخ الأحمر وتحديد المناطق ذات التضاعف الثلاثيّ، خضعت تلك المناطق للترتيب. بيَّن ذاك الترتيب حضور 7 مقاطع متضاعفة ثلاثياً كبرى،  وهو ذات عدد المقاطع الملحوظة في الدالية (شجرة أو عريشة العنب).

بالنسبة للعلماء، يُمثِّل كل مقطع متضاعف ثلاثياً كروموزوم قديم، هكذا، يطرحون النموذج التالي: 
 
لدى سلف 7 أزواج كروموزومات، أنجب سلف لديه 21 زوج كروموزومات (الكروموزوم = صبغي). وقد تطورت، من هذا السلف المُمتلك 21 زوج كروموزومات، الورديّات. 
 
لكن، وعلى اعتبار أن الكروموزوت ليست كيانات مستقرّة، فقد حدثت اندماجات وانشطارات (فواصل) فيها لأجل خلق الجينوم الراهن، الذي يمكننا رؤيته اليوم في البطيخ الأحمر. لهذا، لا يبدو جينوم البطيخ الأحمر سداسيّ المجموعات الصبغية بفضل إعادة الصياغة المتكرِّر والمسمى "مجموعة قديمة بستة كروموزومات أو بستة مجموعات صبغية".

لكن، الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ، فقد تسلَّل إلى جينوم البطيخ الأحمر الكثير من الينقولات أو الجينات القافزة. والينقول عنصر جينيّ يملك القدرة على الدخول لوحده في الجينوم، والقدرة على الخروج من منطقة الجينوم المندمج فيها، ليتسلَّل لمنطقة أخرى أو حتى التضاعف دون إذن. تمثل هذه العفاريت الجينية (الينقولات) ما نسبته 42.5% من حجم الجينوم .

تطوّر جينوم البطيخ الأحمر: 1 جينوم مُضاعف الصيغة الصبغية سلف. 2 جينوم سداسي الصيغة الصبغية سلف. 3 إعادة تنظيم جينيّ. 4 غزو الينقولات الكبير. 5 جينوم بطيخ أحمر حديث

البطّيخ الأحمر وأصله اللغز

لكن، تكمن المفارقة باكتشاف الماضي البدائيّ البعيد للبطّيخ الأحمر، في حين يبقى ماضيه القريب لغز. 
 
على الرغم من وجود العديد من الفرضيّات، كالتي تقول بأنّ بطيخنا الأحمر المزروع ربما قد أتى من الحنظل وموطنه شمال أفريقيا. لكن، هذه الفرضيّة ليست قويّة كفاية راهناً، يشكّ العلماء، اليوم، بأنّ السلف الأرجح لبطيخنا الأحمر المزروع هو تنوعات البطيخ الأحمر المعروفة باسم البطيخ الحامض Citron melon أو بطيخ تساما.

ولأجل البحث عن أسلاف في عالم النبات، بالغالب، يُلجَأ لجينوم البلاستيدات الخضراء (صانعات اليخضور) وهي أعضاء الخليّة المسؤولة عن التركيب الضوئيّ وليست أكثر من بكتريا قديمة متعايشة أو متكافلة.
 
 الفكرة المركزية بسيطة، عندما يتشابه هذا الجينوم عند بلاستيدات نباتين أكثر، فهذا يعني أنهما أكثر قرابة من بعضهما البعض. لكن، هذا الأمر ليس بسيطاً في حالة البطيخ الأحمر.

على مستوى جينوم البلاستيدات الخضراء، اختلف البطيخ الأحمر المزروع عن البطيخ الأحمر البري البطيخ الحامض، بينما وبذات الوقت، يصعب التمييز بين الأنواع المختلفة من البطيخ الأحمر المزروع المدروسة. وحتى لم يتمكنوا من إيجاد فروقات بين سلالة البطيخ المسماة بالبطيخ  إغوسي وسلالات أخرى من البطيخ الأحمر المزروع المختلفة المزايا التكوينية والتغذوية.
 
 الأمر الذي لفت الانتباه هو أنّ نوع البطيخ  إغوسي (الذي يسمى كذلك bara) هو نوع تقليدي في بلدان كنيجيريا أو الكونغو، حيث تستمر زراعته بقصد انتاج البذور (الغنيّة جداً بالبروتينات والكاربوهيدرات) وهي مُكوِّن مألوف في النظام الغذائي لسكّأن تلك المنطقة.
 
 أما الثمار فغير قابلة للأكل (ففيها لبّ أبيض قاسي ومرّ)، حيث يمكن استخدامها كعلف للماشية. إذاً، هو نوع مختلف جذرياً عن البطيخ الأحمر التقليدي الذي نشتريه من السوق.

بالعودة لعلم الوراثة / الجينات، فلقد استخلصت دراسة لاحقة مؤسَّسة على تسلسلات ومقارنة جينات بلاستيدات خضراء عديدة (مأخوذة من بطيخ أحمر مزروع بكل أرجاء العالم) شيء مشابه لما سبق ذكره أعلاه. 
 
مع ذلك يلاحظ الباحثون وجود ارتباط بين النوع الحامض، كما النوع المزروع، بصورة وثيقة، مع النوع ناميب تساما (المتوطّن في صحراء ناميبيا). 
 
لهذا اقترحوا فرضيّة تقول، بأنّ تنوعيّ البطيخ الحامض والأحمر المزروع، ربما قد تطورا، بصورة مستقلة، عن النوع ناميب تساما، وبناء عليه، فهذا النوع هو النوع السلف للتنوعين. لكن، تبقى هذه الفرضية عبارة عن مخاطرة، تحتاج إلى دراسات جديدة للبرهنة عليها.

إعادة بناء الشجرة النشوئيّة التطوريّة لأنواع مختلفة ومتنوعة من الجنس الحامض


ما الذي يقوله البحث المنشور هذا العام في مجلة الطبيعة والمبني على سلسلة جينوم البطيخ الأحمر؟ 
 
يقول أشياءاً هامةً جداً، حيث أنه يتفق مع الأعمال، التي أشرنا لها سابقاً ويحقق نقلة نوعيّة.

بدايةً، هو لا يتحدث عن تنوعات بل عن أنواع فرعيّة (يمكن إستخدام "التنوعات" المذكورة أعلاه). وبحسب هذا البحث، فإنّ النوع الفرعيّ (لبطيخنا الأحمر) هو، إثر تحليلات مركّزة، غير قابل للتمييز عن النوع الفرعيّ البطيخ الأحمر إغوسي Egusi. وينسجم هذا، مع ما رأيناه آنفاً، فالبطيخ الأحمر إغوسي على مستوى جينوم البلاستيدات الخضراء، غير قابل للتمييز عن أعضاء آخرين ينتمون للنوع البطيخ الأحمر المزروع الذي نستهلكه عادة.
كذلك، نلاحظ في بحث مجلة الطبيعة بأنّ النوع الفرعيّ إغوسي ذو إرتباط وثيق بالنوع الفرعيّ البطيخ الأحمر؛ وسيحصل ذات الإرتباط الوثيق بين البطيخ الاحمر المزروع وبين البطيخ الحامض.

الأهمّ في بحث مجلة الطبيعة هو محاولة إعادة بناء الشجرة النشوئيّة التطوريّة لنوع البطيخ الحامض، ولهذا، حققوا السلسلة وقارنوا بين المادة الجينية للنواة الخليوية لأنواع بريّة فرعية وصيغ مزروعة من نوع البطيخ الأحمر هذا.
 
 وكنتيجة، فقد لاحظوا الإرتباط التالي، سيتولد من النوع الفرعيّ البطيخ الاحمر المزروع (المُكافيء للنوع الحامض)  النوع الفرعيّ البطيخ الأحمر إغوسي، وربما هذا الأخير، هو السلف المُباشر لبطيخنا الأحمر المزروع والمسمى بالنوع الفرعي البطيخ الأحمر الصحراوي سالف الذكر. 
 
كذلك، تؤكّد الدراسة الأخيرة، بأنّه وبالرغم من التنوُّع الهائل مورفولوجياً في مختلف أنواع البطيخ الاحمر، فالفروقات الجينية ضئيلة، على الأقلّ، بالمقارنة مع أنواع مزروعة أخرى منه. ومن المؤسف عدم إدخال النوع C. ecirrhosus في الدراسة لتأكيد أو نفي دوره بهذا التاريخ للبطيخ الأحمر.

درجة القرابة بين أنواع بطيخ Citrullus lanatus مختلفة. يمثّل اللون الوردي النوع البطيخ الأحمر المزروع، واللون الأزرق النوع إغوسي، اللون الأخضر النوع الأحمر الصحراوي المزروع في أميركا واللون الأحمر النوع الأحمر الصحراوي المزروع في شرق آسيا


إعادة بناء تدجين البطيخ الأحمر
 

بما لدينا من معلومات، يمكننا البدء في فهم ماضي بطيخنا الأحمر وكيف أمكن للتدجين التأثير فيه. لكن، وكما هو معتاد، فكل تأريخ له بداية، والبداية مع البطيخ البرّي. 
 
على الرغم من امتلاك هذا السيناريو لمشكلة، حيث يتقاسم البطّيخ البرّي مساحة توزّعه الطبيعي مع أنواع مزروعة؛ وأضحت أنواع مزروعة أنواعاً بريّة، وكذلك، إمكان حصول تهجين بينها وبين أنواع مزروعة أو عائدة لتصير بريّة. مع هذا سنحاول تقديم صورة هي الأقرب للوضع الأصليّ للبطيخ الأحمر المشهور والمألوف في يومياتنا الصيفية.

يمكن أن يشكِّل نوع البطيخ تساما الشهير باسم البطيخ الأحمر تنوُّعاً ضمن البطيخ الحامض؛ أو مثل البطيخ الأحمر كنوع فرعيّ من البطيخ بحسب الكاتب، فكما رأينا أعلاه، ربما هو  المُكافيء الأقرب للإصدار البرّي والأصليّ للبطيخ الأحمر
 
ينمو نوع البطيخ البرّي تساما بصورة طبيعية بمناطق عديدة من القارة الأفريقية، بما فيها صحراء كالهاري. 
 
 متكيف بصورة ممتازة مع المناخ الجاف والحارّ. ينبت إثر انتهاء فترة الإمطار مباشرة (بين شهري يناير / كانون ثاني وفبراير / شباط) ويكتمل نموّه ليصل البلوغ بأواسط فترة الجفاف (شهري أبريل / نيسان ومايو / أيار). ثماره كبيرة نسبياً مقارنة "بثمار نبات بري تقليدي"، ويمكن أن يبلغ وزن البطيخة الواحدة بين 776 ± 358 غرام ومحتوى مياه يصل إلى 89% من وزنها. 
 
أمر مثير، فما الذي تريده نبتة صحراوية من إنتاج ثمار ضخمة هكذا ومليئة بالمياه بحقبة الجفاف؟
 يبدو أنه مضيعة للوقت!
 سيما حين ننتبه لحال نبات الصبَّار الذي يسعى جاهداً لتوفير حتى قطرة مياه واحدة. 
 
لكن من المؤكّد أنكم قد خمَّنتم سبب تلك الإستراتيجية.

نثر البذور. 
 
نجد في مناطق أوروبا الرطبة الكثير من النباتات التي توفِّر فواكه ملفتة للإنتباه ومليئة بالسكريات لعدد من الطيور والثدييات (كحالة توت العلِّيق). في الصحراء، يحظى توفير المياه للكائنات الحية بالأفضلية، كما أوضح هذا فيلم رانجو.
 
 تُبرز دراسات حقلية استهلاك تلك الفاكهة (البطيخ البري بصحراء كالهاري) من قبل قوارض صغيرة، والتي تقوم إثر تحطيم القشرة القاسية الخارجية بفتح الباب أمام حيوانات صغيرة أخرى وفقاريات. لكن، ربما يشكّل هذا مشكلة وتقوم تلك الحيوانات بالتسبب بأذيّة أكثر من تقديم فوائد، يقومون بأكل بذور البطيخ كونها كبيرة ومغذية. ولهذا، تحتفظ تلك القوارض ببعض تلك البذور في مخازنها، وتنسى بعضها، بوقت لاحق، كما يحدث مع السناجب وتخزينها للبلُّوط أو الجوز.

وربما بفضل تلك القوارض الصغيرة، قد طوَّر البطيخ قشرة صلبة ليتم فتحه ويُستهلك من قبل ثدييات كبيرة. وهذا ما لُوحِظَ لدى نوع البطيخ تساما والمُستهلَكْ من قبل عواشب (حيوانات آكلة للأعشاب) ولواحم (حيوانات آكلة لحوم) كبيرة،  يمكن للضبع نوع الغثراء تناول 18 بطيخة بليلة واحدة؛ بينما يمكن لنوع الغزال المَهاة الجَنوب الإفريقيّة استهلاك 5 إلى 6 بطيخات يوميا لتلبية احتياجاته من المياه (وهذا متاح حيث يمكن للنبتة إنتاج 2 إلى 4 بطيخات بالمتر المربّع الواحد). ولهذا، تحوّل نوع البطيخ تساما لبديل للحصول على المياه خلال حقبة قاسية جافة بالصحراء، بينما تحصل الثدييات الكبيرة على المياه والاغذية منه، وتنثر البطيخ وتوفُّر بذوره عبر فضلات الحيوانات أينما تنقلت.

مشهد من صحراء كالهاري: بطيخة نوع تساما برّي ويظهر غزال يتناول طعامه في حقل بطيخ منه



يعلِّمنا علم البيئة أسباب امتلاك البطيخ الأحمر لتلك الملامح المميِّزة له، ثمرة تنحو لتصير كبيرة (جداً)، قشرة قاسية نسبياً ولبّ مليء بالمياه. وبصورة شبيهة لفائدته للحياة البريّة؛ ليس غريباً أن يكتشف البشر مصدر للمياه والمواد المغذية كهذا.


تعود أقدم الوثائق الخاصة باستخدام هذا النبات لموقع واقع في منطقة بالصحراء الليبية. وقد سكنت قبائل تمارس الصيد والتقاط الثمار هذه المنطقة ومنذ العصر الحجري، وتشتهر منطقة جبال أكاكوس أو تدرارت أكاكوس برسومها القديمة في الكهوف، والتي تعكس مشاهد الصيد والرعي. هناك عثروا على أوائل المؤشرات على استعمال البطيخ الأحمر. وقد عثروا على بذرة من نوع بطيخ الحنظل سالف الذكر، على الأقلّ، وكذلك، بذرة لنوع بطيخ أحمر بطبقات تعود لما قبل 9000 عام من خلال استخدام الكربون 14، لكن يتعامل الباحثون بحذر، لدرجة تجاهل هذه اللقية خشية أنها بذور حديثة ووصلت لطبقات أرضية قديمة.

مع هذا، وفي ذات الموقع، عثروا على بذور عديدة من نوع البطيخ الأحمر، والتي تعود لما قبل 5000 عام، وُجِدَتْ تلك البذور إلى جانب بقايا نباتات وأعشاب بريّة أخرى، بينما تنتمي بقايا حيوانات متوفرة بذات المكان  لحيوانات داجنة (ماعز وأغنام) والتي تعكس وجود مجتمع رعاة. ربما يُشير حضور تلك البذور لأن الناس التي سكنت المنطقة، ربما قد استخدمت هذا النبات كعلف للماشية، وربما كغذاء (سواء من ثمرته أو بذوره)، لكن، لا توجد إشارة لبدء زراعته.

  إلى اليسار، رسوم بكهف جبلي ليبي قديم، إلى اليمين، بذور أحفورية في الكهف ذاته


بالوقت الراهن وفي تلك المناطق الحارّة، للآن، يمكن العثور على غنى كبير بأنواع البطيخ المزروعة، بما فيها ما يعتبره الباحثون سلالات باكرة للنوع المزروع كالنوع الحاضر في صحراء كالهاري. تقترح الدراسات الجينية من جانبها بأنّ منطقة جنوب القارة الأفريقية (كيب تاون، ناميبيا وجنوب أفريقيا) ربما تشكِّل المنطقة التي بدأت فيها زراعة نوع البطيخ تاسما وأعطت تلك الزراعات "البدائيّة" لهذا النوع بدورها  نوعنا الراهن من البطيخ الأحمر المزروع المُنتشر في كل أرجاء العالم حالياً.

مع ذلك يرافق علم الآثار عملية تدجين النوع المزروع بمناطق واقعة إلى الشمال وبالتحديد في مملكة مصر العليا القديمة وخلال حقبة السلالة الخامسة (بين 4000 إلى 3000 قبل الميلاد)، واعتمد الآثاريون على فاكهة وبذور تنتمي لهذا النبات وعُثِرَ عليها في القبور العائدة لتلك الحقبة. إضافة لتقرير مهم آخر عن بقايا نوع البطيخ الحامض تعود لما قبل 1330 عام قبل الميلاد، وفي قبر الفرعون توت عنخ آمون بالتحديد. كذلك، ظهرت بقايا لهذا النبات منتمية لفترة ما قبل 1500 عام قبل الميلاد في السودان.

زرع المصريون القدماء هذا النبات، كما قامت بهذا شعوب أفريقية أخرى. بوقت لاحق، انتشرت زراعة البطيخ الأحمر بقسم كبير من حوض البحر المتوسط، وخلال الألف الأوّل قبل الميلاد، قد بلغت زراعته خلال الحقبة الرومانيّة أوجها.

سلالات بطيخ حاضرة في موزمبيق: a وb سلالات مًنتجة للبذور، c سلالة يجب طبخها قبل استهلاكها، d وf سلالات يمكن تناولها نيئة وتنتمي إللى "بطيخ الصحراء الحلو" الشهير


لكن، لتدجين هذا النبات ثمن. فعلى سبيل المثال، يمكننا قراءة دراسات مُحققة منذ أكثر من عقد، تُقارِنُ بين سلالات بطيخ مختلفة قاطنة في ناميبيا. وهناك، يمكن العثور نوع بطيخ تساما برّي وأنواع مزروعة أخرى كالسلالات التجارية التي يمكن العثور عليها في السوق، سلالات محلية ببلدات ناميبيا ويمكن تناولها نيئة، سلالات بطيخ مزروعة يمكن طهي لبها، كي تصبح قابلة للأكل ولإنتاج بذور يستهلكها الإنسان. في هذه الدراسة، قارنوا بين ملامح عديدة: 
 
الشكل، الحجم، اللون، عدد وبنية البذور، الثمار، الأوراق.. الخ بكل سلالة بطيخ حاضرة.

لا غرابة بكل هذا التنوُّع. فعلى مدار أجيال وأجيال، زرعت البلدات الأفريقية هذا النبات لاستخدامه بمجالات شتّى. 
 
ففي موزمبيق، يُزرَعُ البطيخ بمناطق زراعة البقول (الذرة بقسمها الأكبر أو السورغم). ويساهم اختلاف أنواعه بتوفير استخدامات مختلفة. تُستهلَكُ الثمار بصورة طازجة، يمكن تحضير مشروبات غير متخمرة أو تحضير نوع من النبيذ المسمى xicalavatla، كما أنه يمكن طبخ الأوراق الفتيّة والثمار للإستهلاك البشريّ، إستهلاك البذور بصورة طبيعية أو محمصة ويمكن تحضير الطحين منها ويُستخدم كتوابل. كما أنّ سلالات أخرى تُستخدم كعلف للحيوانات.

سمحت دراسة بطيخ ناميبيا بتكوين شجرة نشوء تطوريّة لهذا النبات، للسلالات المزروعة لإنتاج البذور وتلك السلالات المخصصة ثمارها للطبخ المُسبق، وذلك لانها إرتبطت مع صيغ النبات البريّة. وربما لهذا السبب يمكن اعتبارها "زراعات بدائيّة"، أي النباتات الأقرب لأوائل السلالات التي ظهرت إثر البدء بتدجين هذا النبات. من جانبها، تشابهت السلالات التي أمكن تناولها طازجة (نيئة) مع السلالات التجارية المُنتَجَة على مستوى عالمي. وربما قد جرى إنتقاء تلك المزايا، التي جعلت بالإمكان إستهلاك تلك السلالات بصورة نيئة، وهي التي أعطت الأصل للسلالات المزروعة الحالية في العالم. وفي ذات الدراسة، لا يُلاحَظ وجود توافق بين المنطقة الجغرافية والشبه، وقد أرجع الباحثون هذا لتاريخ البطيخ في تلك المنطقة الحافل بالإختلاط بين سلالات برية وأخرى مزروعة محلية.
ترتيب سلالات متنوعة للبطيخ الحاضرة في ناميبيا، وذلك بحسب مظهرها / شكلها: W نوع برّي، S نوع منتج بذور، C نوع يجب طبخه، L سلالة محلية تُستهلك نيئة و M سلالة تجارية عالميّة وتستهلك نيئة


بيَّنت نتائج البحث المحقّق في ناميبيا على البطيخ الاحمر البري تساما وعلى السلالات المحلية المزروعة، بأنّ التدجين قد حقَّقَ سلسلة من التغيرات الهامة:
 
 نموّ بحجم الثمرة (فالأنواع المزروعة ذات ثمار أكبر بكثير من الأنواع البرية)، بالتوازي مع هذا، حجم البذور عند تلك السلالات المزروعة أكبر بالرغم من تناقص عددها. كذلك، قاد التدجين لحدوث نموّ بمعدّل الإنبات، فمعدّل الإنبات بالسلالات البرية مُنخفض وغير منتظم، بينما، معدّل الإنبات في الأنواع المزروعة عالي وموحّد.

لكن، ربما النتيجة الأهم لتدجين البطيخ هي القضاء على الطعم الغير مستحبّ فيه. 
 
فتوجد في لبّ أنواع البطيخ البري، كما في لبّ نوع البطيخ تساما الذي ينمو كأيّ عشبة بريّة في أماكن عدّة بأفريقيا، مادة إسمها القرعيت Cucurbitacin تساهم بخلق الطعم المرّ الزائد عن حدّه. 
 
تُشير الدراسات الجينيّة / الوراثيّة لأن الطعم المرّ في البطيخ قد جرى تعديله من خلال جين محدّد.

في هذا الوضع، لدى النباتات البرية الإصدار السائد من الجين السابق. بينما نجد لدى النباتات المزروعة حلوة الطعم الإصدار المتنحي من ذاك الجين فقط. 
 
حصلوا على هذا الإصدار المتنحي من الجين بفضل طفرة بسيطة ساهمت بتعطيل الجين المسؤول عن انتاج الطعم المرّ. 
 
وبالواقع، يمكن العثور على نوع البطيخ البري تساما بطعم غير مرّ ببعض الأحيان وبعض الأماكن. ولهذا، ليس غريباً أن ينتقي ويزرع المزارعون تلك النباتات غير المرّة.

 
سلالات بطيخ متنوعة. نوع فرعيّ بطيخ أحمر الموافق للنوع تساما، النوع الفرعيّ بطيخ إغوسي، النوع الفرعيّ البطيخ الأحمر الصحراوي، وكلها أنواع تجارية بجنوب شرق آسيا وفي أميركا


يتميّز البطيخ كذلك بلون اللبّ. ففي الأنواع البرية منه،  لون اللبّ أبيض حتى. مع ذلك، يتنوَّعُ لون لبّ الأنواع المزروعة، فنجد أحمر اللون، برتقاليّ، على لون سمك السلمون، أصفر. ويعود هذا بحسب ما علمنا علم الوراثة لتأثير عدد من الجينات المسؤولة عن تنظيم اللون.

لكن، الأمور معقّدة حتى الآن. ففي كل نوع بطيخ، يوجد إصدارات عديدة للجين ذاته. سنضع مثال على ذلك، ففي أحد أنواع البطيخ "للجين المسؤول عن لون البذور" إصدارين، هما:
 
 (1) إصدار، يُنتج بذور صفراء اللون و(2) إصدار آخر، يُنتج بذور بلون أخضر.

إذا بسطنا الأمر، يمكن القول بأنّ النباتات (ونحن)، لدينا جميعاً وفي كل واحد من جيناتنا نسختين، بمعنى لدينا "نسختين" لكل جين. نرث "نسخة" من أمنا و"نسخة" أخرى من أبينا. ربما لدينا "نسختين" متكافئتين، أي ذات الإصدار لهذا الجين. 
 
على سبيل المثال، فيما لو ترث نبتة البطيخ "جين مسؤول عن لون البذور" بإصدار أصفر وإصدار آخر أصفر، فليس هناك أيّ شكّ بأن النبات سيُنتِج بذوراً صفراء فقط.

وسيتعقد الأمر، فيما لو كل "نسخة" هي إصدار مختلف لذات الجين. ففي حالة كتلك، غالبا ما يصير إصدار للجين "أقوى" من الإصدار الآخر له، بكلمات أخرى، يسود إصدار للجين على الإصدار الآخر. وفي مثالنا السابق، فيما لو يسود إصدار الجين المسؤول عن اللون الأصفر على الإصدار المسؤول عن اللون الأخضر، فستورث النبتة "الجين المسؤول عن لون البذور" إصدار أصفر وآخر أخضر، وستنتج النبتة بذور بلون أصفر بحسب درجة سيادتها.

قواعد الوراثة. يمثّل A الإصدار السائد الأصفر لإعطاء لون البذور. a يمثِّل الإصدار المتنحي الأخضر لإعطاء لون البذور. أما أحرف اليسار، فتمثل التوريث الأموميّ، بينما أحرف اليمين، فتمثل التوريث الأبويّ


يحصل في البطيخ أمر فيه الكثير من الشبه. بوجود أكثر من جين مسؤول عن تنظيم عمليّة تكوين اللون. وكذلك، لكل جين أكثر من نُسخة / إصدار لنشاطه الخاص ذاته، بصيغة، يمكن من خلالها تمييز الجينات التالية:


- White flesh: يسود الإصدار Wf وهو مسؤول عن اللون الأبيض بلبّ البطيخ والإصدار wf متنحي، لكن، هذا الإصدار مُعطِّل للجين. هذا الجين مثير، حيث أن حضور الإصدار Wf يقضي بظهور آثار جينات أخرى ليس لها أيّ تأثير على اللون.

- Yellow flesh: الإصدار Y سائد وهو المسؤول عن اللون الأصفر في اللبّ، أما الاصدار y المتنحي فيعطي اللون الأحمر، وباعتباره متنحي وفي حال حضور الإصدارين سويّاً Y و y فلا آثار تُذكر.

بمعرفة هذا، ورؤية المثال السابق الخاص بلون البذور، سنعرف بأنّ "نسختي" كل جين بذات النبات، قد تشكِّلا ذات الإصدار للجين أو قد تُشكِّلا نسختين مختلفتين. ووفق هذه الصيغة، وبحسب النسق الجيني، سيتغيّر لون الفاكهة، وفق الآتي:

- WfWf YY أو Wfwf YY: لبّ أبيض اللون، لدينا إصدار سائد للجين Wf وهو المسؤول عن ظهور آثار الجين Y الغير قويّة بصرياً.

- wfwf YY أو wfwf Yy: لبّ أصفر اللون، لدينا إصدار مُعطّل من الجين wf لحضور إصدار سائد أقلّ من الجين Y والذي أمامه لا يمكن للإصدار المتنحي y أن يفعل شيئاً.

- wfwf yy: لبّ أحمر اللون، لدينا إصدار معطّل من الجين wf ولا وجود لأيّ إصدار سائد للجين Y، ولهذا، سيظهر الإصدار المتنحي من الجين y.


قد يبدو سهل وبسيط، لكن، الواقع لا يشي بكل تلك البساطة. 
 
ويُضاف لما ورد، إصدار آخر للجين y هو المسمى y0 المسؤول عن إعطاء اللون البرتقالي (لون لحم سمك السلمون) جين اسمه Canary Yellow flesh وعبر نسخته السائدة C يحقق اللون الأصفر الليموني، وجين يسمى inhibitor of canary yellow والذي يُوقِف بنسخته المتنحية عمل الإصدار / النسخة C
 
فيما لو يكن هذا كافيا حتى الآن، توجد حالة كاكاو شبيهة من حيث لون البذور، لون قشرة الثمرة، شكل الثمرة وملامح أخرى. ما نتعلمه من هذه الحالة هو أنه لدى كل الكائنات الحيّة قدرة كامنة هائلة للتغيير بفضل التنوُّع بالمادة الوراثيّة / الجينيّة الحاضر لدى هذه الكائنات، وكذلك، أنّ قوة انتقائيّة، كالتدجين أو الإنتقاء الطبيعي، يمكنها تعديل الكثير بالكائن الحيّ بناء على هذه القاعدة.

لون لبّ البطيخ بحسب عمل الجينات كما رأينا سابقاً: Wf لأجل لبّ أبيض، Y لأجل لبّ أصفر والمتغيّر المتنحي y لأجل اللبّ الأحمر. وهنا نشير لأنّ متغيرات الجينات تسمى أليلات. وتسمى الأليلات الغير سائدة بالأليلات المتنحية



فلقد أمكننا رؤية ما الذي فعله التدجين مع البطيخ من تعديلات، وسنتابع تاريخه من اللحظة التي وصلنا لها أعلاه. فقد انتشر البطيخ من أفريقيا باتجاه الهند (بحدود العام 800 ميلادي) والصين (بحدود العام 1100 ميلادي)، ثم لاحقاً، امتدت زراعته لكامل قارة آسيا خلال القرن الخامس عشر. ويعتبر باحثون آخرون بأنّ حضور البطيخ يعود لفترة أبكر في الجنوب الشرقي الآسيوي، أي في الهند، نيبال، بورما، تايلند والباكستان، باعتبار هذه المنطقة قد شكّلت مركزاً لتدجين البطيخ.

الجنوب الأفريقي، وسط القارة الأفريقية والجنوب الشرقي الآسيوي:
 
 يُجمع كثير من الباحثين على اعتبارها نقطة الإنطلاق بعمليّة تدجين البطيخ. مع ذلك، لا يتعارض هذا مع اقتراح حصول تدجين مستقلّ بمناطق مختلفة من العالم، علماً أنّ أحدث الدراسات بهذا الصدد، تقترح بأنّ القارة الأفريقية هي مهد البطيخ المُدجّن والمكان الذي انتشرت منه زراعته بمناطق أخرى من العالم.

وبهذه الصيغة، تقترح الدراسات الجينيّة بعودة أصل أنواع البطيخ المزروع في الهند وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية إلى البطيخ المزروع في جنوب أفريقيا.
 
 وربما يشكِّل أول إدخال للبطيخ لأوروبا، هو ما جلبه العرب معهم منه لإسبانيا، كما تُشير بعض السجلات في قرطبة (العام 961 ميلادي) وبإشبيلية (العام 1158 ميلادي).
 
 ويتفق هذا مع ما ذكرناه في مقدمة هذا البحث؛ تأتي كلمة سانديَّا sandía الإسبانيّة  من العربيّة الفصحى "سنديّة – نسبة لبلاد السند"، بينما يسمونه في إقليم كاتالونيا بطيخ الجزائر meló d’Alger أي يرتبط بالقارة الأفريقيّة. 
 
حدثت عملية انتقال زراعة البطيخ لشمال أوروبا ببطء كبير، وفي الواقع، لم تصل زراعته لبريطانيا حتى بدايات القرن السادس عشر ميلادي، وربما يلعب مناخ تلك المناطق الدور الأكبر ومدى ملاءمته لمزروعات أفريقية، ولهذا، توقف انتشار تلك المزروعات على إيقاع تكيفها مع المناخ الجديد.

بالنهاية، وخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، سافر البطيخ سواء مع مستعمرين أوروبيين أو مع عبيد أفارقة بصورة مُباشرة من أفريقيا نحو شمال القارة الأميركية وجنوبها، حيث انتعشت زراعته وتجارته جداً هناك.

أيقونات من القرون الوسطى (1300 – 1375) لبطيخ، وتنتمي لمخطوطات أصليّة إيطالية عديدة

الأصل الإسباني

http://lacienciaysusdemonios.com/2013/10/09/huerto-evolutivo-9-domesticacion-evolucion-sandia/
 
 
قد يهمكم الإطلاع على مواضيع ذات صلة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
البُستان التطوريّ {11}: تطوُّر الأرُّز - القسم الثالث عشر  
 

ليست هناك تعليقات: